لكن ذلك ليس صحيحا، فلقد ظهرت هذه الوسيلة قبل الهجرة..
وأهمية هذه الوسيلة تبرز في أنها تبلغ قوما جاءوا يبحثون عن الحقيقة، ولديهم رغبة في الاستماع إليها، كما أن هؤلاء الوافدين لا يثقون فيما لديهم من مذهب أو خبر، ويريدون أن يسمعوا الحقيقة من مصدرها، وبخاصة أن أهل مكة وأعداء الدعوة أخذوا في ترويج الإشاعات، ونشر الأكاذيب حول محمد ودعوته.. ولذا جاءت الوفود للرسول نفسه بعيدا عن قالة السوء، ومروجي الإشاعات، وناقلي الأخبار الكاذبة.
ومجيء الوفد دليل على رجحان عقل أصحابه ومن وراءهم، فهم من أجل الوصول للحق والصواب جاءوا متحملين للمشاق، باذلين من وقتهم وجهدهم ومالهم الكثير في سبيله.
إن الغالبية العظمى للوفود التي وفدت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، في مكة أو في المدينة، كانت خيرا لأصحابها؛ إذ دخلوا في الإسلام بعد أن عرفوه، وعلموا حقيقته.
وأول وفد جاء للنبي صلى الله عليه وسلم وهو في مكة وفد نصارى الحبشة؛ حيث قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرون رجلا أو قريبا من ذلك فكلموه، وسألوه، وتحدثوا معه "ورجال من قريش يرقبونهم"، لما فرغوا من أسئلتهم واستفسارتهم، استمعوا لرسول الله يحدثهم فيما أرادوا، ويدعوهم إلى الإسلام، ويقرأ عليه القرآن، حتى فاضت أعينهم من الدمع، وآمنوا، وصدقوا، ودخلوا في دين الله تعالى، فلما قاموا من عنده صلى الله عليه وسلم، اعترضهم أبو جهل ونفر من قريش، وقالوا لهم: خيبكم الله من ركب، بعثكم من وراءكم من أهل دينكم، ترتادون لهم، فتأتوهم بخبر الرجل، فلم تطمئن مجالسكم عنده حتى فارقتم دينكم، وصدقتموه فيما قال لكم، ما نعلم ركبا أحمق منكم.
فردوا عليهم: لا نجاهلكم، سلام عليكم، لنا أعمالنا ولكم أعمالكم، لا نألوا أنفسنا خيرا١.