للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلما انتهينا بدأنا من عنده من الرهبان قائلين: اسجدوا للملك.

فقال جعفر: إنا لا نسجد إلا لله عز وجل.

فلما انتهينا إلى النجاشي قال: ما منعك أن تسجد؟!

قال جعفر: لا نسجد إلا لله.

فقال له النجاشي: وما ذاك؟

قال جعفر: "إن الله بعث فينا رسولا، وهو الذي بشر به عيسى ابن مريم عليه السلام من بعده اسمه أحمد، فأمرنا أن نعبد الله ولا نشرك به شيئا، ونقيم الصلاة، ونؤتي الزكاة، وأمرنا بالمعروف ونهانا عن المنكر".

فأعجب النجاشي بقول جعفر.

فقال عمرو بن العاص: أصلح الله الملك، إنهم يخالفونك في عيسى ابن مريم!

فقال النجاشي لجعفر: ما يقول صاحبكم في ابن مريم؟

قال جعفر: يقول بقول الله فيه: "هو روح الله وكلمته، أخرجه من العذراء البتول التي لم يقربها بشر، ولم يفرضها ولد".

فتناول النجاشي عودا من الأرض ورفعه وقال: يا معشر القسيسين والرهبان، ما يزيد هؤلاء على ما تقولون في ابن مريم ولا وزن هذه.. مرحبا بكم وبمن جئتم من عنده، فأنا أشهد أنه رسول الله، وأنه الذي بشر به عيسى، امكثوا في أرضي ما شئتم، ثم رد هدية قريش١.

وتعد الهجرة إلى الحبشة عملا إسلاميا رائدا، يدخل في إطار التبليغ العام للدعوة؛ لأن الإسلام بهذه الهجرة وصل إلى خارج الجزيرة العربية، وبدأ انتشاره عمليا في العالم.

ويخطئ من يتصور الهجرة إلى الحبشة فرارا من الأذى؛ لأنها كانت في الأصل هجرة للدعوة إلى الله تعالى، وفي نفس الوقت راحة من عدوان قريش.


١ البداية والنهاية ج٣ ص٧٠.

<<  <   >  >>