للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يدل على أنها كانت هجرة للدعوة إلى الله في الأساس أن أغلب الذين هاجروا كانوا من ذوي القوة والمنعة في مكة، ولهم من عصبتهم من يدافعون عنهم وعلى رأسهم جعفر بن أبي طالب، وله من أبيه وقومه قوة ومنعة، وفي نفس الوقت بقي الموالي والمستضعفون ولم يهاجروا، وبقوا في مكة صابرين محتسبين.

وأيضا فلقد هاجر نسوة من أشراف مكة، والنسوة لا يتعرضن للأذى كما هو عُرْف العرب في الجاهلية..

ويلاحظ أن هذه الهجرة ضمت رجالا من اليمن كذلك.

وهؤلاء لا صلة لهم بما يجري في مكة؛ لأنهم ليسوا منهم، وعلى رأس هؤلاء اليمنيين أبو موسى الأشعري، الذي هاجر إلى الحبشة مع المهاجرين إليها.

ولو كانت الهجرة إلى الحبشة هروبا وفرارا فقط ما حاول أهل مكة أن يستعيدوا هؤلاء المهاجرين الفارين؛ لأنهم بفرارهم قد تخلصوا منهم، ولو كانت الهجرة فرارا وخوفا لعاد المهاجرون عقب الهجرة إلى المدينة مباشرة بعد زوال سبب الخوف، ولكنهم لم يرجعوا إلى المدينة إلا في العام السابع بعد الهجرة.

إن الهجرة إلى الحبشة كانت دعوة ناجحة، وكان أفرادها خير ممثلين للإسلام، وخير دعاة إليه، وبذلك حملوا رسالة النبي صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي، وسلموها إليه بمجرد وصولهم إلى بلاده.

وهكذا كان دعاة الإسلام الذين أرسلهم رسول الله وهو في مكة إلى المدينة وإلى الحبشة، كانوا قوة في الحق، وصبرا على البلاء، وحكمة في الدعوة، وأفقا واسعا، ودقة عالية في فهم الموقف، والتعامل معه بما يفيد الدعوة، ويؤدي إلى الإيمان..

لم يعرف مصعب رضي الله عنه الانفعال في مواجهة التعنت والإيذاء، وإنما كان رقة في السلوك، وسموا في الأخلاق، وصبرا جميلا في عرض قضيته على الناس.

ولم يفقد جعفر رضي الله عنه رباطة جأشه حينما رأى وفد قريش يجلسون مع النجاشي، ويوجهون له الأسئلة في تحد واستفزاز، وإنما كان متخلقا بخلق الإسلام،

<<  <   >  >>