إن حياة الرسول العملية كانت دعوة حكيمة ناجحة؛ لأن النفوس تتأثر بالأعمال أكثر من تأثيرها بالأقوال؛ لأن دلالة العمل على الصدق أوضح من دلالة القول المجرد، فلربما كان القول لكسب شخصي، أو لغاية قاصرة، أما عمل الرسول والدعاة فهو دليل على إيمانهم اليقيني بما يدعون إليه، وينادون به.
سابعا: الاستفادة من عادات المجتمع الجاهلي
أقام المجتمع القرشي قبل الإسلام عادة جاهلية، وحافظ عليها، وهي عادة الحماية والجوار، ومعناها أن الضعيف إذا لجأ لقوي أجاره، وأعلن حمايته، وحينئذ لا يجرؤ أحد على التعدي عليه، وإن لا قامت الحرب.
ولذلك كان المجير قوي الشكيمة، عزيزا في قومه، متمكنا من حماية من يجير.
وهذه العادة لا صلة لها بفكر المستجير أو ثقافته؛ ولذلك استفاد منها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتحرك بالدعوة في مكة.
وقد عاش الرسول صلى الله عليه وسلم في حماية عمه أبي طالب، يقول ابن إسحاق:"وحدب على رسول الله صلى الله عليه وسلم عمه أبو طالب ومنعه وقام دونه، ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمر الله مظهرا لأمره لا يرده عنه شيء، فلما رأت قريش أن رسول الله لا يعتبهم من شيء أنكروه عليه، من فراقهم وعيب آلهتهم، ورأوا أن عمه أبا طالب قد حدب عليه، وقام دونه فلم يسلمه لهم"١..
وقد حاول كفار مكة عدة مرات صرف أبي طالب عن حماية محمد فلم يتمكنوا، وكان لحماية أبي طالب أثر فعال في خدمة الدعوة؛ حيث بقي رسول الله يدعو إلى دين الله تعالى وهو يقيم في مكة.
ومن صور الحماية والجوار التي استفاد بها المسلمون ما روته السيدة عائشة رضي الله عنها، قالت: "لم أعقل أبوي قط إلا وهما يدينان الدين، ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار، بكرة وعشية، فلما ابتلي المسلمون خرج