أبو بكر مهاجرا إلى أرض الحبشة، حتى إذا بلغ برك الغماد لقيه الدغنة وهو سيد القارة فقال: أين تريد يا أبا بكر؟
فقال أبو بكر: أخرجني قومي، فأنا أريد أن أسيح في الأرض، فأعبد ربي.
فقال ابن الدغنة: إن مثلك يا أبا بكر لا يخرج ولا يخرج، فإنك تكسب المعدوم، وتحمل الكل، وتقري الضعيف، وتعين على نوائب الحق، فأنا لك جار، ارجع واعبد ربك ببلدك.
فرجع أبو بكر، وارتحل معه ابن الدغنة، فطاف ابن الدغنة عشية في أشراف قريش فقال لهم: إن إبا بكر لا يخرج مثله ولا يخرج، أتخرجون رجلا يكسب المعدوم ويصل الرحم، ويحمل الكل، ويقري الضيف، ويعين على نوائب الحق؟!
فلم تكذب قريش بجوار ابن الدغنة وقالوا لابن الدغنة: فاؤمر أبا بكر، فليعبد ربه في داره، فليصل فيها، وليقرأ ما شاء، ولا يؤذينا بذلك، ولا يستعلن، فإنا نخشى أن يفتن نساءنا وأبناءنا.
فقال ذلك ابن الدغنة لأبي بكر.
فطفق أبو بكر بذلك يعبد ربه في داره، ثم بدا لأبي بكر فابتنى مسجدا بفناء داره، وبرز فكان يصلي فيه، ويقرأ القرآن، فتتقصف عليه نساء المشركين وأبناؤهم يعجبون منه، وينظرون إليه، وكان أبو بكر رجلا بكاء، لا يملك عينيه إذا قرأ القرآن، فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين، فأرسلوا إلى ابن الدغنة فقدم عليهم فقالوا: إنا كنا أجرنا أبا بكر بجوارك على أن يعبد ربه في داره، وقد جاوز ذلك، وابتنى مسجدا بفناء داره، فأعلن بالصلاة والقرآن فيه، وإنا قد خشينا أن يفتن أبناءنا ونساءنا، فانهه، فإن أحب على أن يقتصر على أن يعبد ربه في داره فعل، وإن أبَى إلا أن يعلن فسله أن يرد إليك ذمتك، فإنا قد كرهنا أن نخفر ذمتك، ولسنا مقرين لأبي بكر الاستعلان.