للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومثل قوله تعالى: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} ١ فقد بيَّن أن مساعي الناس في الدنيا متنوعة، ثم فصل ذلك بقوله: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى، وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى، وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى، وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} ٢.

ومثال الإبهام ثم التوضيح قوله تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ} ٣ فقد ذكر لفظ {مَثَلًا} مبهما ثم فسره بما جاء بعده ليثير النفس إلى معرفة المراد ويشوقها إليه.

ومرة بأسلوب التهييج، ومثاله قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} ٤ فحاشى لله أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم ممن لا يتقون الله حتى يؤمر بها، أو أن يكون مطيعا للكافرين فينهى عن طاعتهم، ولكنه أسلوب الإلهاب والتهييج الذي يراد به الحث على زيادة التمسك والتصلب والثبات على ما هو عليه، ويكون فضل هذه الطريقة في التعبير على قولنا: استمر في التقوى أو ازدد منها، وازدد تمسكا بعدم طاعة الكافرين والمنافقين، هي أنها تفيد مع ذلك الإلهاب والتهييج، وتثير الشعور والوجدان، فتكون النفس أحسن تلقيا وأكثر تمسكا بما هو كائن؛ ولذلك نجد هذا الفن من فنون القول مستعملا في المعاني الهامة التي هي أصول في هذا الدين٥.


١ سورة الليل الآية ٤.
٢ سورة الليل الآيات ٥-١٠.
٣ سورة التحريم الآية ١٠.
٤ سورة الأحزاب الآية ١.
٥ من أسرار التعبير القرآني.

<<  <   >  >>