للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٦- التأثير الصوتي من خلال الترتيل:

يقول الدكتور محمد دراز: أول ما يلاقيك ويسترعي انتباهك من أسلوب القرآن خاصية تأليفه الصوتي في صورته وجوهره، دع القارئ المجود يقرأ القرآن يرتله حق ترتيله، نازلا بنفسه على هوى القرآن، لا نازلا بالقرآن على هوى نفسه، ثم انتبذ مكانا قصيا، لا تسمع فيه جرس حروفه، ولكن تسمع حركاتها، وسكناتها، ومداتها، وغناتها، واتصالها، وسكتاتها، ثم ألق بسمعك إلى هذه المجموعة الصوتية وقد جردت تجريدا، وأرسلت ساذجة في الهواء، فستجد نفسك منها بإزاء لحن غريب لا تجده في كلام آخر، ستجد اتساقا وائتلافا يسترعي من سمعك ما تسترعيه الموسيقى والشعر على أنه ليس بأنغام ولا بأوزان.

ثم يقول: وهذا الجمال التوقيعي في لغة القرآن لا يخفى على أحد ممن يسمع القرآن، حتى الذين لا يعرفون لغة العرب١.

وقد تحدثنا من قبل عن الألفاظ المصورة بجرسها الخاص، حتى أنها لتكاد ترسم صورة للمعنى بنغمها المميز من أمثال: الصاعقة، والصرصر، وغيرها.

ثم هو في بناء جمله يعمد إلى لون من التوافق تكاد تكون به متوافقة في الوزن، فلنقرأ قوله تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى، وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى، وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى، إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} ٢ فنجد ذلك الإيقاع المميز الذي يشيع في هذه الجمل، فيجعلها كأنها مضبوطة بتفاعيل، وأوزان متحدة.

وثمة سمة أخرى للتعبير القرآني هي ذلك التشاكل الواقع بين الحروف في أواخر الآي يطلق عليه العلماء الفواصل، وهي تمد التعبير بميزة صوتية أخرى تزيد تأثيره، بجانب وظيفتها المعنوية؛ إذ تساعد على تلاوته مرتلا مجودا، بأنغام آسرة،


١ النبأ العظيم ص١٠١، ١٠٢.
٢ سورة الليل الآيات ١-٤.

<<  <   >  >>