ومن هنا كان لا بد من تثبيت الإيمان في القلوب، ومنحه القدرة على مغالبة هذه الموانع النفسية، ولا نكتفي بجعله إيمانا عقليا باردا، لا بد أن يتحول اليقين إلى إيمان وجداني، حاكم على القلب، راجح على ما يخالفه من رغب ورهب وأمل وألم، ولن يتهيأ ذلك إلا بأن نتوجه إلى كل منافذ التأثير في الإنسان، وهو وحده، أو وهو في جماعة، لنصل من خلالها إلى ما نريده من جعل الدعوة في قرار مكين، وأن نغير بها النفوس قبل أن نغير بها السلوك.
يقول الدكتور/ محمد رجب البيومي: إذا كان القرآن الكريم قد أوتي الإقناع المنطقي الملزم، فإنه لا يتجه بحديثه إلى الفكر وحده، فيلزمه الحجة، مكتفيا به عن سواه؛ إذ إن فاطر السماوات والأرض يعلم أن المعرفة العلمية وحدها لا تكفي في الجذب والتأثير، فلا بد معها من غزو مناطق الشعور، وبعث كوامن العواطف، حتى يتهيأ السامع إذا سمع، والقارئ إذا تلا، إلى انجذاب نفسي يدفعه إلى أشرف المبادئ وأحكم المثل.
ولو كانت المعرفة وحدها كافية للهداية لكانت كتب العلوم الأرضية المخلصة دليل المهتدي، إذا قرئت ودرست، ولكنك تشاهد الناس يقرءونها مقتنعين، ثم يحيدون عن أكثر ما تهدي إليه؛ إذ إن العلم شيء والسلوك الإنساني شيء آخر؛ لذلك اتجه القرآن إلى التأثير الوجداني بعد الحجة والبرهان؛ ليغزو مناطق الشعور الإنساني بتصويره، كما غزا مناطق التفكير العقلي بحججه، فجاء التصوير البياني في القرآن الكريم آية الآيات في الروعة والإعجاز١.
والإنسان سواء أكان منفردا أم في جماعة يجمع في طبيعته من الملكات المتعددة ما يجعل إهمال بعضها إهدارا لجانب من الطبيعة الإنسانية، خلقه الله تعالى ليقوم بدوره، ويؤدي وظيفته.