وللناس في كل حالة من الحالات المذكورة عذر في عدم الاتباع، وترك ما عندهم من رسالة؛ لأنها تكون قاصرة عن الحق، لا تمثل هدى الله للناس.
فدين إبراهيم -عليه السلام- قبيل ظهور الإسلام لم يبقَ منه إلا بعض رموز لا تمثل شيئا من الحقيقة، وقد رأينا كيف امتلأت الكعبة بالأصنام، وكيف اخترع العرب ألوان الشرك، وابتدعوا صورا عديدة للعبادات، وزعموا أن ذلك من دين إبراهيم عليه السلام.
ورأينا أهل الكتاب وقد أدخلوا في دين عيسى صلى الله عليه وسلم ما ليس منه، وحرفوه وبدلوه وشغلوا أنفسهم بالمجادلات والمحاورات حول الألوهية والمسيح ومريم بما لا يفيد.
ورأينا ما كان عند الهند وفارس من ضلال وفساد جعلهم يعبدون النار والحيوان وكافة مظاهر الطبيعة المخلوقة.
كل هذا يؤكد الضلال الديني في العالم كله، ويؤكد حاجة الناس إلى دين ينقذهم من هذا الضياع الذي هم فيه، وفي رواية سلمان الفارسي عن قصة إسلامه دلالة واضحة على هذا الضلال الذي ساد العالم كله؛ لأنه عايش المجوسية والنصرانية واليهودية في هذا الزمان قبيل ظهور الإسلام.
يروي ابن عباس عن سلمان الفارسي أنه قال:"كنت رجلا فارسيا من أهل أصبهان، من أهل قرية منها يقال لها: "جي"، وكان أبي دهقان قريته، وكنت أحب خلق الله إليه، فلم يزل به حبه إياي حتى حبسني في بيت كما تحبس الجارية، واجتهدت في المجوسية حتى كنت قطن النار الذي يوقدها، لا أتركها تخبو ساعة، وكان لأبي ضيعة عظيمة.
شغل في بنيان له يوما، فقال لي: يا بني، إني قد شغلت في بنياني هذا اليوم عن ضيعتي، فاذهب فاطلع عليها، ودبر شئونها، وأمرني فيها ببعض ما يريد.