ثم قال لي: لا تحتبس علي، ولا تغب عني، فإنك إن احتبست علي كنت أهم من ضيعتي، وشغلتني عن كل شيء من أمري.
فخرجت أريد ضيعته، فمررت بكنيسة من كنائس النصارى، فسمعت أصواتهم فيها وهم يصلون، وكنت لا أدري سبب حبس أبي إياي في بيته، فلما مررت بهم وسمعت أصواتهم، دخلت عيلهم أنظر ماذا يصنعون، فلما رأيتهم أعجبتني صلاتهم ورغبت في أمرهم وقلت: هذا والله خير من الدين الذي نحن عليه، فوالله ما تركتهم حتى غربت الشمس، وتركت ضيعة أبي ولم آتها.
فقلت لهم: أين أصل هذا الدين؟
قالوا: بالشام.
ثم رجعت إلى أبي، وقد بعث في طلبي، وقد شغلت عن عمله كله.
فلما جئته قال: أي بني أين كنت؟ ألم أكن عهدت إليك ما عهدت؟
قلت: يا أبتِ مررت بناس يصلون في كنيسة لهم، فأعجبني ما رأيت من دينهم، فوالله ما زالت عندهم حتى غربت الشمس.
قال: أي بني ليس في ذلك الدين خير، ودينك ودين آبائك خير منه.
قلت: كلا والله، وإنه لخير من ديننا.
فخافني، فجعل في رجلي قيد، ثم حبسني في بيته.
وبعثت إلى النصارى وقلت لهم: إذا قدم عليكم من الشام تجار من النصارى فأخبروني بهم، فأقبل عليهم ركب من الشام تجار من النصارى فأخبروني.
فقلت: إذا قضوا حوائجهم، وأرادوا الرجعة إلى بلادهم، فآذنوني بهم.
فلما أرادوا الرجعة إلى بلادهم أخبروني بهم، فألقيت الحديد من رجلي، ثم خرجت معهم حتى قدمت الشام.