فجئته فقلت: إني قد رغبت في هذا الدين، وأحببت أن أكون معك أخدمك في كنيستك، وأتعلم منك، وأصلي معك.
قال: ادخل، فدخلت معه، فكان رجل سوء، يأمرهم بالصدقة، ويرغبهم فيها، فإذا جمعوا له منها شيئًا اكتنزه لنفسه، ولم يعطه المساكين، حتى جمع سبع قلال من ذهب وورق، وأبغضته بغضًا شديدًا لما رأيته يصنع، ثم مات فاجتمعت إليه النصارى ليدفنوه.
فقلت لهم: إن هذا كان رجل سوء يأمركم بالصدقة ويرغبكم فيها، فإذا جمعتم له منها أشياء جئتموه بها اكتنزها لنفسه، ولم يعطِ المساكين منها شيئًا.
قالوا: وما علمك بذلك؟
قلت: أنا أدلكم على كنزه.
قالوا: فدلنا عليه.
فأريتهم موضعه فاستخرجوا منه سبع قلال مملوءة ذهبًا وورقًا.
فلما رأوها قالوا: والله لا ندفنه أبدًا، فصلبوه ثم رجموه بالحجارة، ثم جاءوا برجل آخر فجعلوه بمكانه.
يقول سلمان: فما رأيت رجلًا يصلي أفضل منه، ولا أزهد في الدنيا ولا أرغب في الآخرة، ولا أدأب ليلًا ونهارًا منه، فأحببته حبًّا لم أحبه من قبله، فأقمت معه زمانًا ثم حضرته الوفاة، فقلت له: يا فلان، إني كنت معك، وأحببتك حبًّا لم أحبه أحدًا من قبلك، وقد حضرك ما ترى من أمر الله، فإلى مَن توصي بي؟ وما تأمرني؟
قال: أي بني، والله ما أعلم أحدًا اليوم علي ما كنت عليه، لقد هلك الناس وبدلوا وتركوا أكثر ما كانوا عليه إلا رجل بالموصل، وهو فلان، فهو على ما كنت عليه، فالحق به.
فلما مات وغيب لحقت بصاحب الموصل، فقلت له: يا فلان، إن فلانًا أوصاني عند موته أن ألحق بك، وأخبرني أنك على مثل أمره.