للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدينية وأوهامها، ولم تجد العلماء مشقة أمام الخوض فيما كان ممنوعا من قبل باسم الحق المقدس لرجال الدين وعقائدهم على اختلاف أممهم وأديانهم.

ففي العالم المسيحي الواسع بدأت الأصوات ترتفع ضد أوضاع لا تتفق مع الطبيعة العقلية، من أمثال المناداة بألوهية المسيح، وتركبه من طبيعتين، مع إصرار هذه الأصوات على مذهب الفطرة القائل ببشرية المسيح، وتكونه من طبيعة إنسانية واحدة، وقد اختار الله ليكون رسولا نبيا، من قبل الإله الواحد، وأحاطه بالخوارق التي لا توجد مع الناس دفعا إلى تصديقه في دعواه، وما دفعهم إلى هذا الرأي إلا عقلهم الذي أبى التصديق بما هو وهم وخيال، ولأن تصور أصحاب مذهب الطبيعتين تصور ينهار أمام النظرة الفاحصة، وقد حدثت لهذه المعارضات أحداث خطيرة في كل العالم المسيحي انعقدت لها مجامع عدة، على النحو الذي سبق ذكره.

ولم يكن المنادون بمذهب التوحيد عددا قليلا، يقول إن البطريق: "إن الذنب ليس على "أريوس"، وهو رأس المنادين بالتوحيد، بل على فئات أخرى سبقته فأخذ هو عنها، ولكن تأثير تلك الفئات لم يكن شديدا كما كان تأثير "أريوس" الذي جعل الكثيرين ينكرون سر الألوهية، حتى انتشر هذا الرأي وعم"١، وهذا دليل على نضج عقلي وجد بين المسيحيين، جعلهم يحاولون إصلاح معتقداتهم.

ومن الملاحظ أن المسيحيين الذين عارضوا الإصلاح احتموا أيضا بعقلهم وحاولوا التدليل على صدق معتقدهم بأدلة جدلية في صورة تشبيه عقلي، وهذه إن دلت فإنها تدل على تقدم ذهني، وفهم إدراكي، فيه نوع من التجريد والعقل، يقول الشهرستاني عنهم: "ولهم في كيفية الاتحاد والتجسد كلام، فمنهم من قال: أشرف على الجسد إشراق النور على الجسم المشف، ومنهم من قال: انطبع فيه انطباع النقش في الشمع، ومنهم من قال: ظهر به ظهور الروحاني بالجسماني،


١ محاضرات في النصرانية ص١٢٣.

<<  <   >  >>