إن عملية العلاج أو الإرشاد، ليست عملية حل مشكلات وإنما هي عملية معايشة المشاعر، مما يؤدي بالفرد أن يصبح هو ذاته. يقول روجرز في هذا الخصوص:"إنها عملية يصبح فيها الشخص هو ما بداخله من كائن عضوي بدون خداع للذات, وبدون تحريف للخبرات أو إنكار لها"، وبدلا من أن يتصرف المسترشد على هدى من توقعات الآخرين, فإنه يتصرف على هدى من خبراته. إنه الوعي الكامل بتلك الخبرات التي تتحقق في العلاج أو الإرشاد هو الذي يجعل من الممكن للفرد "المسترشد" أن يكون فعلا هو ذاته، أي: أن يتطابق الوعي مع الخبرة، وهو ما يصل به إلى إنسان مكتمل الأداء Full Functioning.
٥- خبرة التحسن:
يشعر المسترشد منذ بداية العلاج أن تحسنا ما قد حدث، وهذا التحسن يشعر به حتى عندما يكون التشويش والاكتئاب موجودين. إن مواجهة بعض القضايا وحلها وإعادة بناء جزء أو جانب من الشخصية يمثلان تحسنًا ويمنحان المسترشد ثقة للاستمرار في استكشاف ذاته حتى لو كانت عملية الاستكشاف نفسها تبدو مؤلمة.
تعقيب:
وقبل أن نختتم الحديث عن الإرشاد باستخدام العلاقة ذات الخصائص المحددة -الانسجام مع الذات، والتفهم القائم على المشاركة "التعاطف"، والتقدير الإيجابي غير المشروط "التقبل"- وهذه الخصائص يوفرها المرشد ويوصلها للمسترشد، نقول: إن طريقة روجرز تعتمد إلى حد كبير على الاستبصار، وهي تركز على جهد المسترشد وإدراكاته, بينما جهد المرشد فيها قليل, فهو يوفر مناخا مناسبا يساعد المسترشد على التعامل مع خبرات كان يهرب منها نتيجة اهتمامه الشديد بمن حوله وخاصة في أسرته. ولكن هل مجرد توفير مثل هذه العلاقة يكفي لحل المشكلات؟ وكم تطول فترة التعامل مع المشاعر وإعادة بناء الذات الجديدة أو المفهوم الجديد للذات؟ وهل فعلا يمكن لمجرد وجود علاقة آمنة غير تقويمية من جانب المرشد تحرير الفرد من كل العلاقات حوله ومن كل شروط الأهمية, والتي يدخل فيها جوانب تتصل بالدين والخلق والعرف؟ قد يكون الجواب من وجهة نظر المؤلف بالنفي.
ولكن رغم ذلك تبقى العلاقة التي لها هذه المواصفات ذات أهمية لكل مرشد، وهي مواصفات تعتبر جزءا من كُلّ أوسع وأشمل يدعونا الإسلام للتعامل به من رفق ومساندة. ويبقى أن إرشاد الطلاب ليس إرشادا على الاتساع ينتظر معه المرشد أن يلتقط المسترشد خبرات مبعدة ويتعامل معها ويبني ذاتا جديدة ويخرج بعد فترة تطول أو تقصر من عملية الإرشاد لم يحظَ فيها بغير شخص يستمع إليه. إن الإرشاد الطلابي يحتاج إلى مثل هذه العلاقة فعلا، ولكنه في نفس الوقت يحتاج إلى إجراء عملي ملموس ومحدد يشعر به الطالب.