كذلك فقد قدم الغزالي تفسيرا لحدوث الغضب يرجع فيه الغضب إلى التشبه بالأكابر. "وقد يتأكد ذلك بحكاية شدة الغضب عن الأكبر في معرض المدح بالشجاعة، والنفوس مائلة إلى التشبه بالأكابر فيهيج الغضب إلى قلبه بسببه. وتسمية هذا عزة نفس وشجاعة جهل، بل هو مرض قلب ونقصان عقل وهو لضعف النفس ونقصانها، وآية ضعف النفس أن المريض أسرع غضبا من الصحيح، والمرأة أسرع غضبا من الرجل، والصغير أسرع غضبا من الرجل الكبير، والشيخ الضعيف أسرع غضبا من الكهل، وذا الخلق السيئ والرذائل القبيحة أسرع غضبا من صاحب الفضائل، فالرذل يغضب لشهوته إذا فاتته اللقمة، ولبخله إذا فاتته الحبة، حتى إنه يغضب على أهله وولده وأصحابه. بل القوي من يملك نفسه عند الغضب كما قال صلى الله عليه وسلم: "ليس الشديد بالصرعة, إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب". بل ينبغي لهذا الجاهل بأن تتلى عليه حكايات أهل الحلم والعفو وما استحسن منهم من كظم الغيظ، فإن ذلك منقول عن الأنبياء والأولياء والحكماء والعلماء وأكابر الملوك الفضلاء""ص١٧٢، ١٧٣".
هكذا أرجع الغزالي تعلم الغضب إلى التشبه بنماذج الغضب؛ نتيجة لما يمتدحون به في ذلك، وهذا النوع من التعلم هو ما يشار إليه في علم النفس الحديث بالتعلم من النماذج السلوكية Modeling، وهذه النماذج نماذج ضمنية Covert Models حيث تشتمل عليها القصص المتداولة. كما يرى أن العلاج يمكن أن يكون بنفس الأسلوب بأن يتعلم من نماذج طيبة من خلال حكايات أهل الحلم والعفو وما استحسن منهم من كظم الغيظ، ولعل في السيرة النبوية المطهرة، الكثير مما يدل على حلم الرسول -صلوات الله وسلامه عليه- وعلى مبادرته إلى العفو وأمره بالرفق وعدم الغضب. كما يؤكد على أن الغضب يمثل ضعفا في السلوك وأنه يرتبط بجوانب ضعف متنوعة مثل الأنوثة والطفولة والشيخوخة. ويستدل على أن ضبط النفس عند الغضب هو القوة, من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ليس الشديد بالصرعة, وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب".