للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الإمام الغزالي بالإفراط أي: زيادة الغضب، والتفريط أي: نقص الغضب، وبالنسبة لزيادة الغضب فإن الغزالي يرى أن المعيار هو الموقف أو المثير الذي ينشأ عنه الغضب, فهو يرى أن الغضب أمر ضروري إذا تعلق بالاعتداء أو التهديد للضروريات التي تحفظ للإنسان حياته. وأما الغضب الذي يتصل بالمراتب العليا من الحاجات, أو ما يعرف أحيانا بالحاجات الثانوية "وهي حاجات تستمد قيمتها عادة من ارتباطها بالحاجات الأساسية" فإن الغضب فيها غير محمود.

أما النوع الثاني الذي يرى الإمام الغزالي حاجة الفرد لعلاجه, فهو التفريط في الغضب, سواء بنقصه نقصانا واضحا أو انعدامه كلية، بل إن الغزالي في هذا الصدد يجعل انعدام الغضب كانعدام الإرادة.

وقد أفرد الغزالي فصلا للأسباب المهيجة للغضب "المثيرات", حيث جمعها في العبارة التالية:

"والأسباب المهيجة للغضب هي: الزهو والعجب والمزاح والهزل والهزء والتعيير والمماراة والمضادة والغدر وشدة الحرص على فضول المال والجاه، وهي بأجمعها أخلاق رديئة مذمومة شرعا، ولا خلاص من الغضب مع بقاء هذه الأسباب فلا بد من إزالة هذه الأسباب بأضدادها" "١٧٢".

وهذه الأسباب التي ذكرها الغزالي هي الأسباب الخارجية أو المثيرات البيئية، ولكن في نفس الوقت تساعدها أسباب داخلية عقلية تتركز في المفاهيم الخاطئة: "ومن أشد البواعث على الغضب عند أكثر الجهال تسميتهم الغضب شجاعة ورجولية وعزة نفس وكبر همة، وتلقيبه بالألقاب المحمودة غباوة وجهلا حتى تميل النفس إليه وتستحسنه ... ".

وهكذا نظر الغزالي إلى الغضب نظرة معرفية بعد أن نظر إليه نظرة سلوكية، فهو يرى أن المفاهيم الخاطئة مثل تسمية الغضب شجاعة تمثل جانبا من أسباب اعتياد الغضب, وهذا الجانب المعرفي في تفسير الغضب لم يعرفه علم النفس إلا حديثا, وفي الربع قرن الأخير فقط.

<<  <   >  >>