بذلك لاختلطت الأنساب؛ ولذلك قيل: كل أمة وضعت الغيرة في رجالها وضعت الصيانة في نسائها، ومن ضعف الغضب الخور والسكوت عند مشاهدة المنكرات، وقد قال صلى الله عليه وسلم: $"خير أمتي أحداؤها" يعني في الدين، وقال تعالى:{وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} ١. بل من فقد الغضب عجز عن رياضة نفسه، إذ لا تتم الرياضة إلا بتسليط الغضب على الشهوة، حتى يغضب على نفسه عند الميل إلى الشهوات الخسيسة. ففقد الغضب مذموم، وإنما المحمود غضب ينتظر إشارة العقل والدين, فينبعث حيث تجب الحمية وينطفئ حيث يحسن الحلم، وحفظه على حد الاعتدال هو الاستقامة التي كلف الله بها عباده، وهو الوسط الذي وصفه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حيث قال: $"خير الأمور أوساطها", فمن مال غضبه إلى الفتور حتى أحس من نفسه بضعف الغيرة وخسة النفس في احتمال الذل والضيم في غير محله, فينبغي أن يعالج نفسه حتى يقوى غضبه. ومن مال غضبه إلى الإفراط حتى جرّه إلى التهور واقتحام الفواحش, فينبغي أن يعالج نفسه لينقص من سورة الغضب ويقف على الوسط الحق بين الطرفين، فهو الصراط المستقيم، وهو أرق من الشعرة وأحدّ من السيف ... " "ص١٦٨، ١٦٩".
قابلية الغضب للعلاج:
هل يقبل الغضب العلاج؟ ومتى يجب على الفرد أن يسعى لعلاج الغضب؟
وبالنسبة للسؤال الأول، فإذا اعتبرنا أن الغضب سلوك موقفي يعتمد إلى حد ما على ما لدى الفرد من استعداد للغضب "سمة الغضب", وإلى حد ما أيضا على ما تعلمه الفرد من البيئة وما اعتاد عليه من أنماط استجابات في المواقف المولدة للغضب, وعلى الموقف الذي يحدث فيه الغضب "حالة الغضب"، فإن الغضب باعتباره استجابة موقفية تفاعلية يكون قابلا للعلاج.
أما متى يسعى الفرد لمعالجة الغضب، فإن ذلك يحدده مقدار بعده عن الحد المطلوب من الغضب الذي يساعد فيه الفرد على الحياة الكريمة، وهو الحد الذي أشار إليه