صورته لسكن غضبه؛ حياء من قبح صورته واستحالة خِلْقَته. وقبح باطنه أعظم من قبح ظاهره، فإن الظاهر عنوان الباطن، وإنما قَبُحت صورة الباطن أولا ثم انتشر قبحها إلى الظاهر ثانيا؛ فتغير الظاهر ثمرة تغير الباطن، فقِس الثمرة بالمثمرة, فهذا أثره في الجسد وأما أثره في اللسان فانطلاقه بالشتم والفحش من الكلام الذي يستحيي منه ذو العقل ويستحيي منه قائله عند فتور الغضب، وذلك مع تخبط النظم واضطراب اللفظ.
أما أثره على الأعضاء فالضرب والتهجم والتمزيق والقتل والجرح عند التمكن من غير مبالاة، فإن هرب منه المغضوب عليه أو فاته بسبب وعجز عن التشفي رجع الغضب على صاحبه, فمزق ثوب نفسه ويلطم نفسه، وقد يضرب بيده على الأرض، ويعدو عدو ألوانه السكران والمدهوش المتحير، وربما يسقط سريعا لا يطيق العدو والنهوض بسبب شدة الغضب ويعتريه مثل الغشية, وربما يضرب الجمادات والحيوانات ...
وأما أثره في القلب, فالحقد والحسد وإضمار السوء والشماتة ... " "ص١٦٨".
آثار انعدام أو ضعف الغضب:
حين تعرض الغزالي للحديث عن مستويات الغضب ذكر منها التفريط أي: نقص هذا الانفعال، والإفراط أي: زيادته، والاعتدال الذي يمثل المستوى المطلوب. وقد سبق الغزالي علماء النفس في التعرف على ما يطلقون عليه الآن نقص التأكيد "أو نقص السلوك التوكيدي Lack of Assertion"، بل إنه قد أوضح خاصية هامة من خصائص الغضب، وهو أهميته كاستجابة مضادة للقلق، وكذلك باعتباره عنصرا هاما في الحكم على الانحراف الشخصي, وعمليات الضبط الذاتي في العلاج.
يقول في هذا الصدد:
"وأما ثمرة الحمية الضعيفة فقلة الأنفة مما يؤنف منه من التعرض للحرم والزوجة والأمة واحتمال الذل من الأخِسَّاء وصغر النفس والقماءة، وهو أيضا مذموم إذ من ثمراته عدم الغيرة على الحرام، وهو خنوثة، قال صلى الله عليه وسلم:"إن سعدا لغيور وأنا أغير من سعد, وإن الله أغير مني" وإنما خلقت الغيرة لحفظ الإنسان، ولو تسامح الناس