تسكن في روسيا، ولما لم يكن القساوسة الروسيون يفهمون لغة "القرغيز" لم يلبثوا أن أهملوا شئونهم، ولم يكن هناك بد من الاعتراف بأن هؤلاء الذين تحولوا حديثًا لم يكونوا يتمسكون بالعقيدة المسيحية أو يعرفونها، ولما أخفقت العطاءات الروحية أمرت الحكومة موظفيها بأن يلطفوا من هذه الحالة، ويحبسوا الناس ويكبلوهم بالحديد، ويحولوا بذلك دون تعليم هؤلاء الذين لا يطيعون أوامر المطران برغم تعميدهم.
في القرن الثامن عشر جاءت حكومة الإمبراطورية "كاترين" الثانية في روسيا، وبذلت جهودا جبارة في دعم الأصولية الأرثوذكسية في جهودها التنصيرية، حتى إنها أصدرت مرسومًا بأن يوقع كل من هؤلاء الحديث العهد بالمسيحية على إقرار كتابي، يتعهدون فيه بترك خطاياهم الوثنية وتجنب كل اتصال بالكفار، وعلى الرغم من هذا كله لم يكن هؤلاء الذين أطلق عليهم التتار المعمدون إلا مسيحيين اسما فقط، لا يبعد أن تكون أسماؤهم قد دونت في السجلات الرسمية باعتبارهم مسيحيين، ولكنهم وقفوا في ثبات وقوة في وجه أية محاولة لتنصيرهم.
وفي أوربا كانت أبرز الحكومات التي دعمت الأصولية بشدة هي حكومة "شارل مان"، ونحن نقرأ في تاريخ ٧٧٢ وحتى ٧٩٨ عن استمرار الغزوات المتعاقبة، وتحول المسيحية إلى مؤامرات وأعمال قمع، وبمجرد إخضاع إحدى القبائل الألمانية فإن تحولها إلى المسيحية كان يدرج في بنود السلام، كثمن يمنح لها نظير تمتعها بحماية الإمبراطور وحكومته، ولقد سجل التاريخ أن "شارل مان" قتل في يوم واحد أربعة آلاف وخمسمائة سكسوني، تفرض حكومته عقوبات وحشية ضد أي خرق لمجموعة القواعد المسيحية، ومنها أن أي سكسوني غير معمد يحاول أن يختبئ بين شعبه ويرفض التعميد مسيحيا سوف يقتل، وأن أي شخص من الوثنيين يتآمر ضد المسيحيين سوف يقتل.