الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وخاتم النبيين سيدنا محمد النبي الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
الاستشراق:
جمهور المستشرقين في تحرير أبحاثهم عن الشريعة الإسلامية يعتمدون على ميزان غريب بالغ الغرابة في ميدان البحث العلمي، فمن المعروف أن العالم المخلص يتجرَّد عن كل هوى وميل شخصي فيما يريد البحث عنه، يتابع النصوص والمراجع الموثوق بها، وما أدت إليه بعد المقارنة والتمحيص كان هو النتيجة المحتمة التي ينبغي له اعتمادها والأخذ بها، إلا أن أغلب هؤلاء المستشرقين يضعون في أذهانهم فكرة معينة يريدون تصيد الأدلة لإثباتها، وحين يبحثون عن هذه الأدلة لا تهمهم صحة هذه الأدلة، بمقدار ما يهمهم إمكان الاستفادة منها؛ لدعم آرائهم الشخصية.
كثيرًا ما يستنبطون الأمر الكلي من حادثة جزئية، ومن هنا يقعون في مفارقات غريبة لولا الهوى والغرض المريض لربئوا بأنفسهم عنها، وكثيرًا ما يعتمدون على الوهم المجرد لتفسير الأمور، ويقيسون المسلم الذي يؤمن بالله ويخشاه على الذين لا تردعهم روادع دين، ولا خلق قويم، ويعتبرون أن كل سلوك المسلمين أفرادًا وجماعات لا بد أن يفسر بالأغراض الشخصية، والنوازع النفسية الدنيوية، وفيما يلي طائفة من الأمثلة التي تكشف موازين البحث عند المستشرقين حينما يكتبون في الإسلام، وتاريخ المسلمين.
فمثلًا في محاولة المستشرق جولد سيهر لإثبات زعمه بأن الحديث في مجموعه في صنع القرون الثلاثة الأولى للهجرة، وليس من قول الرسول -صلى الله عليه وسلم- ادَّعى أن أحكام الشريعة لم تكن معروفة لجمهور المسلمين في الصدر الأول من الإسلام، وأن الجهل بها وبتاريخ الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان لاصقًا بكبار الأئمة، وقد حشد لذلك بعض