الروايات الساقطة المتهافتة، مثلًا من ذلك ما نقله عن كتاب (حياة الحيوان) للدميري من أن أبا حنيفة -رحمه الله- لم يكن يعرف هل كانت معركة بدر قبل أحد، أم كانت أحد قبلها.
ومما لا شك فيه أن أقل الناس اطلاعًا على التاريخ يرد مثل هذه الرواية، فأبو حنيفة وهو من أشهر أئمة الإسلام الذين تحدثوا عن أحكام الحرب في الإسلام حديثًا مستفيضًا، وذلك في فقهه الذي أُثر عنه وفي كتب تلامذته الذين نشروا علمه -كأبي يوسف ومحمد- من غير المتصور بحال من الأحوال أن يكون الإمام جاهلًا بوقائع سيرة الرسول ومغازيه، وهي التي استمد منها فقهه في أحكام الحرب، ويكفي ذكر كتابين في فقهه في هذا الموضوع يعتبران من أهم الكتب المؤلفة في التشريع الدولي في الإسلام: أول هذين الكتابين (باب الرد على سير الأوزاعي) لأبي يوسف -رحمه الله، وثانيهما كتاب (السير الكبير) لمحمد بن الحسن -رحمه الله، وهو من أقدم وأهم مراجع الفقه الإسلامي في العلاقات الدولية، وقد طبع هذا الكتاب عدة مرات، وفي هذيْن الكتابين يتضح إلمام تلامذة الإمام وهم حاملو علمه بتاريخ المعارك الإسلامية في عهد الرسول، وعهد خلفائه الراشدين.
وجولد سيهر لا يخفى عليه أمر هذين الكتابين، وكان بإمكانه لو أراد الحق أن يعرف ما إذا كان أو حنيفة جاهلًا بالسيرة أو عالمًا بها من غير أن يلجأ إلى رواية الدميري في كتابه (الحيوان) وهو ليس مؤرخًا، وكتابه ليس كتاب فقه، ولا تاريخ؛ وإنما يحشر فيه كل ما يرى إيراده من حكايات ونوادر تتصل بموضوع كتابه من غير بحث عن صحتها، ولا يخفى ما كان بين أبي حنيفة ومعاصريه ومقلديه من بعدهم من خصومة في المنهج الاجتهادي الذي اعتمده، قد كانت