هذه الخصومة مادة دسمة لرواة الأخبار ومؤلفي كتب الحكايات والنوادر لنسبة نوادر وحكايات، منها ما يرفع من شأن أبو حنيفة، ومنها ما يضع من سمعته، وأكثرها ملفق مختلق. موضوع للمسامرة والتندر من قبل محبيه أو كارهيه على السواء، الأمر الذي يجعلها عديمة القيمة العلمية في نظر العلماء والباحثين.
وجولد سيهر أعرض عن كل ما دُوِّن من تاريخ أبي حنيفة تدوينًا علميًّا ثابتًا، واعتمد رواية مكذوبة ليدعم بها ما تخيله من أن السنة النبوية من صنع المسلمين في القرون الثلاثة الأولى، وكذلك أعرض عما أجمعت عليه كتب الجرح والتعديل، وكتب التاريخ من صدق الإمام محمد بن مسلم بن شهاب الزهري -رحمه الله، وورعه، وأمانته، ودينه، وزعم أن الزهري لم يكن كذلك، بل كان يضع الحديث للأمويين، وهو الذي وضع حديث ((لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد)) لعبد الملك بن مروان، وكل حجته أن هذا الحديث من رواية الزهري، وأن الزهري كان معاصرًا لعبد الملك بن مروان.
يحاول المستشرقون أن يؤكدوا تعالي العرب الفاتحين عن المسلمين الأعاجم، وانتقاصهم من مكانتهم، وغرض المستشرقين من هذا إفساد قلوب المسلمين من غير العرب على المسلمين من العرب لإقامة الحواجز القومية بينهم.
يقول المستشرق بروكلمان في كتابه (تاريخ الشعوب الإسلامية): "وإذا كان العرب يؤلفون طبقة الحاكمين فقد كان الأعاجم من الجهة الثانية هم الرعية" أي: القطيع وجمعها رعايا كما يدعوهم، وهو تشبيه سام قديم كان مألوفًا حتى عند الآشوريين. قد تجاهل بروكلمان جميع الوثائق التاريخية التي تؤكد عدالة الفاتحين المسلمين، ومعاملتهم أفراد الشعب على السواء من غير تفرقة بين عربي وغيره، وتعلق بلفظ الرعية تعلقًا لغويًّا، واستنتج منها أن المسلمين نظروا إلى الأعاجم