خادما ثانيا، فرجموه، وشجوه، وردوه محقرا، ثم أرسل ثالثا فقتلوه، وكثيرين آخرين ضربوا بعضهم وقتلوا بعضا، وكان قد بقي له ابن وحيد هو محبوبه، فأرسله إليهم آخر الأمر. وقال: إنهم سيكرمون ابني، فقال الفلاحون فيما بينهم: إن هذا الوارث؛ فهلموا بنا نقتله، فيصير الميراث لنا، فأخذوه، وقتلوه، وأخرجوه خارج الكرم. فماذا يفعل رب الكرم؟ نعم، إنه سيأتي، ويهلك الفلاحين، ويسلم الكرم إلى آخرين. ألم تقرؤوا هذا المرقوم؟. قوله: إن الحجرة التي رفض البناؤون صارت رأس الزاوية. هذا ما وقع عند الرب، وهو في نظركم عجيب ".
فسياق هذا المثل من أظهر الأمثال المضروبة في الإنجيل لنبوة محمد -صلى الله عليه وسلم - وهو أول الفصل في إنجيل مرقس ".
وتقرير دلالته أن الغارس هو الباري -تعالى-، والمغرسة الدنيا، والكرم بنو آدم، والحائط الناموس الذي جاءت به الرسل، والمعصرة الأحكام الناموسية، والفلاحون الذين بلغتهم الدعوة. فالذي ضرب به المثل بالخادم الأول يناسب حال موسى -عليه السلام-، والثاني يناسب حال يوشع بن نون، والثالث يناسب حال بعض أكابر الأنبياء بعده، والمجهولون هم المتوسطون من موسى إلى زمان عيسى - عليهم السلام -، والابن الوحيد يناسب حال عيسى -عليه السلام-، لأنه آخر أنبياء بني إسرائيل، والآخرون الذين يسلم إليهم الكرم هم العرب الذين بعث فيهم محمد -صلى الله عليه وسلم-.
وفي قوله:" ويسلم الكرم إلى آخرين " فضيلة عظيمة لهذه الأمة توافق قول الله -تعالى-: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} .