فالأول الأرض المقدسة التي ينبت فيها ذلك -ومنها بعث المسيح -، والثاني الجبل الذي كلم الله عليه موسى، والبلد الأمين مكة.
ولما كان ما في التوراة خبرا عنها أخبر بها على الترتيب الزماني، وأما القرآن فأقسم بها تعظيما لشأنها، فأتى بها على وجه التدريج درجة بعد درجة، فهو من باب الترقي إلى الأعلى مما دونه.
ومن ذلك ما جاء في زبور داود -عليه السلام - في مزمور أربعة وأربعين:"فاضت النعمة من شفتيك، من أجل هذا بارك الله لك إلى آخر الأبد. تقلد أيها الجبار بالسيف، فإن شريعتك وسنتك مقرونة بهيبة يمينك وسهامك مسنونة، وجميع الأمم يخرون تحتك".
فهذا من أظهر الأدلة على نبوة محمد -صلى الله عليه وسلم-، فالنعمة التي فاضت من شفتيه هو القول الذي يقوله، وهو الكتاب الذي أنزل عليه والسنة التي سنها، وليس يتقلد بالسيف من الأنبياء بعد داود إلا محمدا -صلى الله عليه وسلم-، وقرنت شرائعه بالهيبة كقوله -صلى الله عليه وسلم-: «نصرت بالرعب» .