للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يعني فبعد هذه الدلائل الواضحة والجوابات اللائحة فاقطع الجواب معهم وعاملهم بها بما يعامل به المعاند، وهو أن تدعوهم إلى الملاعنة، وقد فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ودعاهم إليها، فنكصوا، ورجعوا إلى الصلح، وأقروا بالصغار، وبذلوا الجزية، كما تقدم في القصة. فكان ذلك دليلا على نبوة محمد -صلى الله عليه وسلم - من وجهين:

أحدهما:

أنه -عليه الصلاة والسلام- خوفهم بنزول العذاب. فلو لم يكن واثقا بذلك لكان ذلك منه سعيا في إظهار كذب نفسه، لأنه بتقدير أن يرغبوا في المباهلة، ثم لا ينزل العذاب يكون ذلك تكذيبا له.

ومعلوم أنه كان -صلى الله عليه وسلم- من أعقل الناس، بل هو أعقلهم على الإطلاق، ولا يليق بالعاقل أن يعمل عملا يفضي إلى ظهور كذبه، فلما أصر على ذلك علمنا أنه إنما أصر عليه لكونه واثقا بنزول العذاب عليهم لو فعلوا.

الثاني:

أن القوم تركوا المباهلة، وأعطوا الصغار من أنفسهم. فلولا أنهم علموا من التوراة والإنجيل ما يدل على نبوته لما أحجموا عن مباهلته ورضوا لأنفسهم بالذل والصغار، بل قد تقدم في القصة ما يدل صريحا على معرفتهم به، وأنه النبي المبشر به في كتب الأنبياء.

<<  <  ج: ص:  >  >>