فكل ذي عقل سليم يعرف أن هذا لا يحصل إلا بالوحي من الله تعالى.
ولما كان علم ذلك ضروريا، وكان إنكار المعلوم بالضرورة يقدح في صحة العقل قال تعالى: ... {أَفَلَا تَعْقِلُونَ} .
فتأمل صحة هذا الدليل، وحسن تأليفه، وظهور دلالته.
قال القاضي أبو الفضل:
" كون القرآن من قبل النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنه أتى به، معلوم ضرورة، وكونه متحديا به معلوم ضرورة، وعجز العرب عن الإتيان بمثله معلوم ضرورة، وكونه في فصاحته خارقا للعادة معلوم ضرورة للعالمين بالفصاحة ووجوة البلاغة، وسبيل من ليس من أهلها علم ذلك بعجز المنكرين من أهلها عن معارضته، واعتراف المقرين بإعجاز بلاغته ". انتهى.
فعجز العرب عن معارضته حجة قاطعة، ومحجة ساطعة، ومحال أن يلبثوا ثلاثا وعشرين سنة على السكوت عن معارضة آية منه، تستلزم تلك المعارضة نقض أمره، وتفريق أتباعه، وزوال شوكته، وحيازة مرتبته، مع قدرتهم عليها، وطلبها منهم، وقتل أكابرهم، وسبي ذراريهم، وهو لا يزداد إلا تقريعا لهم بعجزهم عن المعارضة، ويقول لهم: إن زعمتم أني افتريته لعلمي بأخبار الأمم فأتوا بمفترى مثله.