للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن المعلوم أن ما تحملوه من ذلك هو من أعظم ما يشق على النفوس؛ فإنهم نابذوا العرب قاطبة، بل الخلق كلهم، وقاطعوا من لم يدخل معهم في ذلك من أهليهم وعشائرهم، وقطعوا الحبال بينهم وبين الناس.

وهكذا المهاجرون من غير أهل مكة، قد أسلم منهم كثير، وهجروا أوطانهم وعشائرهم، وهاجروا إليه في المدينة وصبروا على ما كابدوه من الجوع والعري والشدة ومفارقة المألوفات قبل أن يقوم الجهاد.

وإنما دخلوا بالدعوة والقرآن، وإلا فلم يكن له - صلى الله عليه وسلم - ما يستميل به القلوب من مال، فيطمع فيه، ولا قوة يقهر بها الرجال، ولا أعوان على الأمر الذي أظهروه، والدين الذي دعا إليه.

وكانوا حين دعاهم مجتمعين على عبادة الأصنام وتعظيم الأزلام، مقيمين على ما هم عليه من عبية الجاهلية في العصبية والحمية والتمادي والتباغي وسفك الدماء وشن الغارات.

لا تجمعهم ألفة دين، ولا يمنعهم عن سوء أفعالهم نظر في عاقبة ولا خوف عقوبة ولا لائمة، فألف الله بنبيه - صلى الله عليه وسلم - بين قلوبهم، وجمع كلمتهم، حتى اتفقت الآراء، وتناصرت القلوب، وترادفت الأيدي.

فصاروا إلبا واحدا في نصرته، وعنقا واحدا إلى طاعته،

<<  <  ج: ص:  >  >>