وهجروا أوطانهم وبلادهم، وجفوا قومهم وعشائرهم في محبته، وبذلوا مهجهم وأرواحهم في نصرته، ونصبوا وجوههم لوقع السيوف في إعزاز كلمته، بلا دنيا بسطها عليهم، ولا أموال أفاضها إليهم، ولا عوض في العاجل أطمعهم في نيله يحوونه، أو ملك أو شرف في الدنيا يحوزونه.
بل كان من شأنه - صلى الله عليه وسلم - أن يجعل الغني فقيرا والشريف أسوة الوضيع.
فهل تلتئم مثل هذه الأمور أو يتفق مجموعها لأحد؟.
وهذا سبيله من قبيل الاختيار العقلي والتدبر الفكري، لا والذي بعثه بالحق، وسخر له هذه الأمور لا يرتاب عاقل في شيء من ذلك، وإنما هو أمر إلهي، وشيء غالب سمائي، ناقض للعادات ويعجز عن بلوغه قوى البشر، ولا يقدر عليه إلا من له الخلق والأمر، تبارك الله رب العالمين.
وبهذا يتبين أن قيام دينه - صلى الله عليه وسلم - إنما كان بالحجة. ولكنه شرع الجهاد لتبليغ الأدلة، وإيصال الحجة، وإنفاذ البيان إلى المخاطبين. ومن أجل ذلك كان أكثر الداخلين بالسيف لما سمعوا القرآن وعرفوا الإسلام انفتحت بصائرهم، وصلحت عقائدهم، واستبصروا فيما كانوا عنه من قبل ذلك عمين.
ولهذا المعنى لما وقعت الهدنة التي عقدها النبي - صلى الله عليه