وجعل لهم التمكن والقهر لأعدائهم أبدا لطغت نفوسهم، وشمخت أنوفهم، كما يكونون لو بسط لهم الرزق، فلا يصلح عباده إلا السراء والضراء، والشدة والرخاء، والقبض والبسط، فهو المدبر لأمر عباده، كما يليق بحكمته، إنه بهم خبير بصير.
ومنها: أنه - سبحانه - هيأ لعباده منازل في دار كرامته لم تبلغها أعمالهم، ولم يكونوا بالغيها إلا بالبلاء والمحنة، فقيض لهم الأسباب التي توصلهم إليها من ابتلائه وامتحانه.
ومنها: أن الشهادة عند الله من أعلى المراتب، والشهداء هم خواصه المقربون من عباده، ولا سبيل إلى نيل هذه الدرجة إلا بتسلط العدو.
إلى غير ذلك من الحكم، والمصالح التي تفوت الوصف.
فإذا كان في إدالة العدو على المؤمنين في بعض المراتب ما فيه من المصالح والغايات المحمودة، كان إلى الدلالة على صحة الشريعة أقرب منه إلى العكس، ولم يكن ناقضا للاستدلال؛ إذ هذا يكون لأمر عارض، ومقتض طارئ، ثم تكون العاقبة والنصر للمؤمنين.
بل قد قدمنا أن مثل هذه الأدلة من أعلام الرسل.
ومما يزيد ذلك بيانا ما أشرنا إليه من أن ظهور الكفار على المؤمنين - أحيانا - هو سبب ذنوب المسلمين كيوم أحد.
فإذا تابوا انتصروا، كما قد جرى للمسلمين في عامة ملاحمهم مع الكفار.