وكذلك الصيام الذي فيه رياضة النفس وصفاء القلب، وهو سر بين العبد وبين ربه، وفيه حث على رحمة الفقراء، وإطعامهم، وسد جوعتهم، لما قد عاناه الصائم من شدة المجاعة في صومه، وفيه من قهر النفس وإذلالها وكسر الشهوة المستولية عليها وإشعار النفس ما هي عليه من الحاجة إلى الطعام والشراب ما هو من أعظم صلاح القلب ومعرفته بربه وفاطره، الغني بذاته عن كل ما سواه، وكل ما سواه فقير إليه.
ولهذا احتج الله - تعالى - على من اتخذ عيسى وأمه إلهين من دونه بقوله - تعالى -: {مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ} ....، فجعل حاجتهما إلى الطعام نقصا فيهما عن أن يكون إلهين.
وكذلك الحج، وما فيه من تحمل المشاق امتثالا للأمر في قضاء المناسك في تلك المواطن الفاضلة.
وفيه تذكير بيوم الحشر في مفارقة المال والأهل، وخضوع العزيز والذليل بين يدي الله، واجتماع المطيع والعاصي في الرهبة منه والرغبة إليه، وإقلاع أهل المعاصي عما اجترحوه، وندم المذنبين على ما أسلفوه.
كما قال بعض العلماء:" قل من حج إلا أحدث توبة من ذنب، وإقلاعا عن معصية ".
ولذلك قيل:" من علامة الحجة المبرورة أن يكون صاحبها بعدها خيرا من قبلها ".