ثم نبه بما يعانيه من مشاق السفر المؤدي إليه على مواضع النعمة برفاهة الإقامة، ونسيه الأوطان، ليحنو بما سلف من هذه النعمة على أبناء السبيل.
ثم علم بمشاهدة حرم الله الذي أنشأ منه دينه، وبعث منه رسوله، ثم بمشاهدة دار الهجرة، التي أعز الله بها أهل طاعته، وأذل بنصرة نبيه بها أهل معصيته، حتى خضع له عظماء المتكبرين، وتذلل له زعماء المتجبرين، أنه لم ينتشر عن ذلك المكان المنقطع، ولا قوي بعد الضعف البين حتى طبق الأرض شرقا وغربا إلا بمعجزة ظاهرة ونصر عزيز، يدل على عناية الله بهذه الشريعة وأنها من عنده.
وكذلك الجهاد، وما فيه من بذل النفس وإنفاق النفيس طاعة لله وامتثالا لأمره.
وكذلك أنواع العدل والإحسان والبر والصلة.
وكذلك الأقوال الطيبة من تلاوة كتاب الله، وإكثار ذكره واستغفاره، وتحصيل التوبة التي هي أحب شيء إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغير ذلك من الأعمال الباطنة والظاهرة التي مقصودها صلاح القلب وصفاؤه، ونماء الإيمان والمعرفة فيه، فإن أصل الدين في الحقيقة هي الأمور الباطنة من العلوم والأعمال، فلا تنفع الأعمال الظاهرة بدونها. كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي رواه أحمد في مسنده:" «الإسلام علانية، والإيمان في القلب» ".
ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم - في الحديث المتفق عليه: