للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم مكث على ذلك عشر سنين يستعرض عباده، يسفك دماءهم، ويأخذ أموالهم، ويسترق نساءهم وأبناءهم، ولا ذنب لهم إلا الرد عليه ومخالفته، وهو في ذلك كله يقول: الله أمرني بذلك ولم يأمره، ومع ذلك فهو ساع في تبديل أديان الرسل، ونسخ شرائعهم، وحل نواميسهم، فهذه حاله عندكم.

فلا يخلو: إما أن يكون الرب -تعالى- عالما بذلك مطلعا عليه من حالة يراه ويشاهده أو لا.

فإن قلتم: إن ذلك جميعه غائب عن الله لم يعلمه قدحتم في الرب -تعالى-، ونسبتموه إلى الجهل المفرط، إذ لم يطلع على هذا الحادث العظيم، ولا علمه، ولا رآه.

وإن قلتم: بل كان بعلمه واطلاعه ومشاهدته، قيل لكم: فهل كان قادرا على أن يغير ذلك، ويأخذ على يده ويحول بينه وبينه أم لا؟

فإن قلتم: ليس قادرا على ذلك، نسبتموه إلى العجز المنافي للربوبية، وكان هذا الإنسان هو وأتباعه أقدر منه على تنفيذ إرادتهم.

وإن قلتم: بل كان قادرا، ولكن مكنه ونصره وسلطه على الخلق، ولم ينصر أولياءه وأتباع رسله نسبتموه إلى أعظم السفه والظلم والإخلال بالحكمة.

هذا لو كان مخليا بينه وبين ما فعله، فكيف وهو في ذلك كله ناصره ومؤيده، ومجيب دعواته ومهلك من خالفه وكذبه، ومصدقه بأنواع التصديق كلها، ومظهر الآيات على يديه التي لو اجتمع أهل الأرض كلهم على أن يأتوا بواحدة منها لما أمكنهم، ولعجزوا عن ذلك، وكل وقت من الأوقات يحدث له من أسباب النصر والتمكين والظهور والعلو وكثرة الأتباع أمرا خارجا عن العادة؟ !.

<<  <  ج: ص:  >  >>