علم من علوم العرب يشترك فيه الطبع والرواية والذكاء، ثم تكون الدربة مادة له، وقوة لكل واحد من أسبابه؛ فمن اجتمعت له هذه الخصال فهو المحسن المبرز، وبقدر نصيبه منها تكون مرتبته من الإحسان. وقال: ولست أفضل في هذه القضية بين القديم والمحدث، والجاهلي والمخضرم، والأعرابي والمولد، إلا أني أرى حاجة المحدث إلى الرواية أمس، وأجده إلى كثرة الحفظ أفقر، فإذا استكشفت عن هذه الحال وجدت سببها والعلة فيها أن المطبوع الذكي لا يمكنه تناول ألفاظ العربي إلا رواية، ولا طريق إلى الرواية إلا السمع، وملاك السمع الحفظ.
قال دعبل في كتابه:
من أراد المديح فبالرغبة، ومن أراد الهجاء فبالبغضاء، ومن أراد التشبيب فبالشوق والعشق، ومن أراد المعاتبة فبالاستبطاء؛ فقسم الشعر كما ترى هذه الأقسام الأربعة، وكان الرثاء عنده من باب المدح على ما قدمت، إلا أنه جعل العتاب بدلاً منه.
وقال غير واحد من العلماء: الشعر ما اشتمل على المثل السائر، والاستعارة الرائعة، والتشبيه الواقع، وما سوى ذلك فإنما لقائله فضل الوزن.
وقال إسحاق بن إبراهيم الموصلي: قلت لأعرابي: من أشعر الناس؟ قال: الذي إذا قال أسرع، وإذا أسرع أبدع، وإذا تكلم أسمع، وإذا مدح رفع، وإذا هجا وضع.
وسئل بعض أهل الأدب: من أشعر الناس؟ فقال: من أكرهك شعره على هجو ذويك ومدح أعاديك، يريد الذي تستحسنه فتحفظ منه ما فيه عليك وصمة، وخلاف للشهوة، وهذا ذوب قول أبي الطيب:
وأسمع من ألفاظه اللغة التي ... يلذ بها سمعي ولو ضمنت شتمي