وهو ضرب من المبالغة كما قدمت، إلا أنه في القوافي خاصة لا يعدوها، والحاتمي وأصحابه يسمونه التبليغ، وهو تفعيل من بلوغ الغاية، وذلك يشهد بصحة ما قلته، ويدل على ما رتبته.
وحكى الحاتمي عن عبد الله بن جعفر عن محمد بن يزيد المبرد قال: حدثني التوزي قال: قلت للأصمعي: من أشعر الناس؟ قال: الذي يجعل المعنى الخسيس بلفظه كبيراً، أو يأتي إلى المعنى الكبير فيجعله خسيساً، أو ينقضي كلامه قبل القافية، فإذا احتاج إليها أفاد بها معنى، قال: قلت: نحو من؟ قال: نحو الأعشى إذ يقول:
كناطح صخرة يوما ليفلقها ... فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل
فقد تم المثل بقوله: وأوهى قرنه، فلما احتاج إلى القافية قال " الوعل " قال: قلت: وكيف صار الوعل مفضلا على كل ما ينطح؟ قال: لأنه ينحط من قنة الجبل على قرنه فلا يضيره، قال: قلت: ثم نحو من؟ قال: نحو ذي الرمة بقوله:
قف العيس في أطلال مية واسأل ... رسوماً كأخلاق الرداء المسلسل
فتمم كلامه، ثم احتاج إلى القافية فقال " المسلسل " فزاد شيئاً، وقوله:
أظن الذي يجدي عليك سؤالها ... دموعاً كتبديد الجمان المفصل
فتمم كلامه، ثم احتاج إلى القافية فقال " المفلل " فزاد شيئاً أيضاً.
وليس بين الناس اختلاف أن امرأ القيس أول من ابتكر هذا المعنى بقوله يصف الفرس:
إذا ما جرى شأوين وابتل عطفه ... تقول هزيز الريح مرت بأثأب
فبالغ في صفته، وجعله على هذه الصفة بعد أن يجري شأوين ويبتل عطفه