اللفظ جسم، وروحه المعنى، وارتباطه به كارتباط الروح بالجسم: يضعف بضعفه، ويقوى بقوته، فإذا سلم المعنى واختل بعض اللفظ كان نقصاً للشعر وهجنة عليه، كما يعرض لبعض الأجسام من العرج والشلل والعور وما أشبه ذلك، من غير أن تذهب الروح، وكذلك إن ضعف المعنى واختل بعضه كان للفظ من ذلك أوفر حظ، كالذي يعرض للأجسام من المرض بمرض الأرواح، ولا تجد معنى يختل إلا من جهة اللفظ، وجريه فيه على غير الواجب، قياساً على ما قدمت من أدواء الجسوم والأرواح، فإن اختل المعنى كله وفسد بقي اللفظ مواتاً لا فائدة فيه، وإن كان حسن الطلاوة في السمع، كما أن الميت لم ينقص من شخصه شيء في رأي العين، إلا أنه لا ينتفع به ولا يفيد فائدة، وكذلك إن اختل اللفظ جملة وتلاشى لم يصح له معنى؛ لأنا لا نجد روحاً في غير جسم البتة.
ثم للناس فيما بعد آراء ومذاهب: منهم من يؤثر اللفظ على المعنى فيجعله غايته ووكده، وهم فرق: قوم يذهبون إلى فخامة الكلام وجزالته، على مذهب العرب من غير تصنع، كقول بشار:
إذا ما غضبنا غضبة مضرية ... هتكنا حجاب الشمس أو قطرت دما
إذا ما أعرنا سيداً من قبيلة ... ذرى منبر صلى علينا وسلما
وهذا النوع أدل على القوة، وأشبه بما وقع فيه من موضع الافتخار، وكذلك ما مدح به الملوك يجب أن يكون من هذا النحت.
وفرقة أصحاب جلبة وقعقعة بلا طائل معنى إلا القليل النادر: كأبي القاسم بن هانئ ومن جرى مجراه؛ فإنه يقول أول مذهبته: