فشبهه بعبد طويل عليه فرو أصلم، أي: قصير الذيول، وإنما خص الفرو لأنهم كانوا يلبسونه مقلوباً، وجعله عبداً لبياض ساقيه وعنقه وإشرابهما الحمرة يعني صفات الروم، ولم تكن العبيد في ذلك الوقت إلا بيضاً؛ فهذا اشتراك في وصف الظهر والقوائم واختلاف في اللفظ والعبارة.
والنوع الثاني على ضربين: أحدهما: ما يوجد في الطباع من تشبيه الجاهل بالثور والحمار، والحسن بالشمس والقمر، والشجاع بالأسد وما شابهه، والسخي بالغيث والبحر، والعزيمة بالسيف والسيل، ونحو ذلك؛ لأن الناس كلهم الفصيح والأعجم والناطق والأبكم فيه سواء؛ لأنا نجده مركبا في الخليقة أولاً.
ولآخر ضرب كان مخترعاً، ثم كثر حتى استوى فيه الناس، وتواطأ عليه الشعراء آخراً عن أول، نحو قولهم في صفة الخد " كالورد " وفي القد " كالغصن " وفي العين " كعين المهاة من الوحش " وفي العنق كعنق الظبي، وكإبريق الفضة أو الذهب فهذا النوع وما ناسبه قد كان مخترعاً، ثم تساوى الناس فيه، إلا أن يولد أحد منهم فيه زيادة، أو يخصه بقرينة؛ فيستوجب بها الانفراد من بينهم، ومثل ذلك تشبيه العزم بهبوب الريح، والذكاء بشواظ النار، وسيرد عليك من قوافي باب السرقات وما ناسبها كثير، إن شاء الله تعالى.
[باب التغاير]
وهو أن يتضاد المذهبان في المعنى حتى يتقاوما، ثم يصحا جميعاً، وذلك من افتنان الشعراء وتصرفهم وغوص أفكارهم.
من ذلك قول بعض العرب المتقدمين يذكر قوماً بأنهم لا يأخذون إلا القود دون الدية:
لا يشربون دمائهم بأكفهم ... إن الدماء الشافيات تكال