للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما محمد بن إدريس الشافعي فكان من أحسن الناس افتناناً في الشعر، وهو القائل:

ومتعب العيس مرتاحاً إلى بلد ... والموت يطلبه في ذلك البلد

وضاحك والمنايا فوق مفرقه ... لو كان يعلم غيباً مات من كمد

من كان لم يؤت علماً في بقاء غد ... ماذا تفكره في رزق بعد غد

ومن قوله أيضاً في غير هذا المعنى:

الجد يدني كل شيء شاسع ... والجد يفتح كل باب مغلق

فإذا سمعت بأن مجدوداً حوى ... عوداً فأورق في يديه فصدق

وإذا سمعت بأن محروماً أتى ... ماء ليشربه فجف فحقق

وأحق خلق الله بالهم امرؤ ... ذو همة يبلى برزق ضيق

ولربما عرضت لنفسي فكرة ... فأود منها أنني لم أخلق

وهذا باب لو تقصيته لاحتمل كتاباً مفرداً ولكني طبقت المفصل، وذكرت بعض المشاهير من الناس.

[باب من رفعه الشعر، ومن وضعه]

إنما قيل في الشعر " إنه يرفع من قدر الوضيع الجاهل، مثل ما يضع من قدر الشريف الكامل، وإنه أسنى مروءة الدني، وأدنى مروءة السرى " لأمر ظاهر غاب عن بعض الناس فتأوله أشد التأويل، وظنه مثلبة وهو منقبة، وذلك أن الشعر لجلالته يرفع من قدر الخامل إذا مدح به، مثل ما يضع من قدر الشريف إذا اتخذه مكسباً، كالذي يؤثر من سقوط النابغة الذبياني بامتداحه النعمان بن المنذر، وتكسبه عنده بالشعر، وقد كان أشرف بني ذبيان،

<<  <  ج: ص:  >  >>