شف المؤمل يوم الحيرة النظر ... ليت المؤمل لم يخلق له بصر
نام ذات ليلة صحيحاً، فأصبح مكفوف البصر.
وتطير أبو الهول على جعفر بن يحيى البرمكي، فقال:
أصبحت محتاجاً إلى ضرب ... في طلب العرف من الكلب
إذا شكا صب إليه الهوى ... قال له: مالي وللصب
أعنى فتى يطعن في ديننا ... يشب معه خشب الصلب
فكان من أمر جعفر ما كان.
وكان ابن الرومي كثير الطيرة: ربما أقام المدة الطويلة لا يتصرف تطيراً بسوء ما يراه ويسمعه، حتى إن بعض إخوانه من الأمراء افتقده فأعلم بحاله في الطيرة، فبعث إليه خادماً اسمه إقبال ليتفاءل به، فلما أخذ أهبته للركوب قال للخادم: انصرف إلى مولاك فأنت ناقص، ومنكوس اسمك لا بقا..
وابن الرومي القائل: الفأل لسان الزمان، والطيرة عنوان الحدثان. وله فيه احتجاجات وشعر كثير.
[باب في منافع الشعر ومضاره]
قد أكثر الناس في هذا الفن، ولا بد مع ذلك أن آتي منه بنبذ يقتضيها ترسيم الكتاب وحق التأليف، وليست علي مطالبة، ولا قبلي حجة، في ذكر مضاره بعد منافعه أو معها؛ إذ كانت الرغبة في تحسين الحسن ليتزيد منه، وتقبيح القبيح لينتهى عنه.
وقد فرط في أول الكتاب من قول عائشة رضي الله عنها وقول سواها من الصحابة ومن التابعين رحمة الله عليهم ورضوانه في الشعر ما فيه كفاية: من أنه كلام يحسن فيه ما يحسن في الكلام، ويقبح منه ما يقبح في الكلام وبقدر حسنه وقبحه يكون نفعه وضرره، والله المتعال.