ومن أملح ما رأيته في الاقتضاء والاستبطاء قول أبي العتاهية لعمر بن العلاء وابن المعتز يسمي هذا النوع مزحاً يراد به الجد، وهو:
أصابت علينا جودك العين يا عمر ... فنحن لها نبغي التمائم والنشر
سنرقيك بالأشعار حتى تملها ... فإن لم نفق منها رقيناك بالسور
وكنت أنا صنعت في استبطاء:
أحسنت في تأخيرها منة ... لو لم تؤخر لم تكن كامله
وكيف لا يحسن تأخيرها ... بعد يقيني أنها حاصله؟؟
وجنة الفردوس يدعى بها ... آجلة للمرء لا عاجله
لكنما أضعف من همتي ... أيام عمر دونها زائله
والعتاب أوسع حداً من الاقتضاء؛ لأنه يكون مثله بسبب الحاجات، وقد يكون بسبب غيرها كثيراً، والاقتضاء لا يكون إلا في حاجة.
[باب العتاب]
العتاب وإن كان حياة المودة، وشاهد الوفاء فإنه باب من أبواب الخديعة، يسرع إلى الهجاء، وسبب وكيد من أسباب القطيعة والجفاء، فإذا قل كل داعية الألفة، وقيد الصحبة، وإذا كثر خشن جانبه، وثقل صاحبه.
وللعتاب طرائق كثيرة، وللناس فيه ضروب مختلفة؛ فمنه ما يمازجه الاستعطاف والاستئلاف، ومنه ما يدخله الاحتجاج والانتصاف، وقد يعرض فيه المن والإجحاف، مثل ما يشركه الاعتذار والاعتراف.
وأحسن الناس طريقاً في عتاب الأشراف شيخ الصناعة وسيد الجماعة أبو عبادة البحتري الذي يقول: