يمدحون ولا يرضون بالهجاء، وأما من لا يمدح فأحرى أن لا يهجو أحداً، على أن منهم من لم يقل قط إلا هجواً أو شبيهاً به: كيحيى بن نوفل، ذكره دعبل في طبقاته، ونجد له من أهل عصرنا نظراء عدة.
[باب في الشعراء والشعر]
طبقات الشعراء أربع: جاهلي قديم، ومخضرم، وهو الذي أدرك الجاهلية والإسلام، وإسلامي، ومحدث. ثم صار المحدثون طبقات: أولى وثانية على التدريج، وهكذا في الهبوط إلى وقتنا هذا، فليعلم المتأخر مقدار ما بقي له من الشعر فيتصفح مقدار من قبله لينظركم بين المخضرم والجاهلي، وبين الإسلامي والمخضرم، وأن المحدث الأول فضلاً عمن دونه دونهم في المنزلة، على أنه أغمض مسلكاً وأرق حاشية، فإذا رأى أنه ساقة الساقة تحفظ على نفسه، وعلم من أين يؤتى، ولم تغرره حلاوة لفظه، ولا رشاقة معناه، ففي الجاهلية والإسلام من ذهب بكل حلاوة ورشاقة، وسبق إلى كل طلاوة ولباقة.
قال أبو الحسن الأخفش: يقال: ماء خضرم، إذا تناهى في الكثرة والسعة، فمنه سمي الرجل الذي شهد الجاهلية والإسلام مخضرماً، كأنه استوفى الأمرين، قال: ويقال: أذن مخضرمة، إذا كانت مقطوعة، فكأنه انقطع عن الجاهلية إلى الإسلام.
وحكى ابن قتيبة عن عبد الرحمن عن عمه، قال: أسلم قوم في الجاهلية على إبل قطعوا آذانها، فسمي كل من أدرك الجاهلية والإسلام مخضرماً، وزعم أنه لا يكون مخضرماً حتى يكون إسلامه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وقد أدركه كبيراً ولم يسلم، وهذا عندي خطأ؛ لأن النابغة الجعدي ولبيداً قد وقع عليهما هذا الاسم، وأما علي بن الحسين كراع فقد حكى: شاعر مخضرم بحاء