بل عندي الصواب ونفس الاستعارة أن يبقى الكلام على ظاهره مجازاً؛ لأنا نجد في هذا النوع ما لا ينساغ فيه التأويل، كقول بعضهم:
سألتني عن أناس هلكوا ... شرب الدهر عليهم وأكل
فليس معناه شربت وأكلت عليهم؛ لأنه إنما يعني بعد العهد لا السلو وقلة الوفاء. وقال أبو الطيب:
أفنت مودتها الليالي بعدنا ... ومشى عليها الدهر وهو مقيد
فإنما أراد الدهر حقيقة. وقال الصنوبري:
كان عيشي بهم أنيقاً فولى ... وزماني فيهم غلاماً فشاخا
فليس مراده كنت فيهم غلاماً فشخت، ولكل موضع ما يليق به من الكلام ويصح فيه من المعنى.
وأما كون التشبيه داخلاً تحت المجاز فلأن المتشابهين في أكثر الأشياء إنما يتشابهان بالمقاربة على المسامحة والإصلاح، لا على الحقيقة، وهذا يبين في بابه إن شاء الله تعالى.
وكذلك الكناية في مثل قوله عز وجل إخبارا عن عيسى ومريم عليهما السلام:" كانا يأكلان الطعام " كناية عما يكون عنه من حاجة الإنسان، وقوله تعالى حكاية عن آدم وحواء صلى الله عليهما:" فلما تغشاها " كناية عن الجماع، وقول النبي صلى الله عليه وسلم:" العين وكاء السه " وقوله لحادٍ كان يحدو به " إياك والقوارير " كناية عن النساء لضعف عزائمهن، إلى أكثر من هذا.
[باب الاستعارة]
الاستعارة أفضل المجاز، وأول أبواب البديع، وليس في حلي الشعر أعجب منها، وهي من محاسن الكلام إذا وقعت موقعها، ونزلت موضعها،