للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[باب في المطبوع والمصنوع]

ومن الشعر مطبوع ومصنوع، فالمطبوع هو الأصل الذي وضع أولاً، وعليه المدار. والمصنوع وإن وقع عليه هذا الاسم فليس متكلفاً تكلف أشعار المولدين، لكن وقع فيه هذا النوع الذي سموه صنعة من غير قصد ولا تعمل، لكن بطباع القوم عفواً، فاستحسنوه ومالوا إليه بعض الميل، بعد أن عرفوا وجه اختياره على غيره، حتى صنع زهير الحوليات على وجه التنقيح والتثقيف: يصنع القصيدة ثم يكرر نظره فيها خوفاً من التعقب بعد أن يكون قد فرغ من عملها في ساعة أو ليلة، وربما رصد أوقات نشاطه فتباطأ عمله لذلك، والعرب لا تنظر في أعطاف شعرها بأن تجنس أو تطابق أو تقابل، فتترك لفظة للفظة، أو معنى لمعنى، كما يفعل المحدثون، ولكن نظرها في فصاحة الكلام وجزالته، وبسط المعنى وإبرازه، وإتقان بنية الشعر، وإحكام عقد القوافي وتلاحم الكلام بعضه ببعض حتى عدوا من فضل صنعة الحطيئة حسن نسقه الكلام بعضه على بعض في قوله:

فلا وأبيك ما ظلمت قريع ... بأن يبنوا المكارم حيث شاءوا

ولا وأبيك ما ظلمت قريع ... ولا برموا لذاك ولا أساءوا

بعثرة جارهم أن ينعشوها ... فيغبر حوله نعم وشاء

فيبنى مجدهم ويقيم فيها ... ويمشي إن أريد به المشاء

وإن الجار مثل الضيف يغدو ... لوجهته وإن طال الثواء

وإني قد علقت بحبل قوم ... أعانهم على الحسب الثراء

وكذلك قول أبي ذؤيب يصف حمر الوحش والصائد:

فوردن والعيوق مقعد رابئ ال ... ضرباء خلف النجم لا يتتلع

فكرعن في حجرات عذاب بارد ... حصب البطاح تغيب فيه الأكرع

<<  <  ج: ص:  >  >>