وقد يكون قدراً للوعاء كالذي يقام به اللوالك، وتصلح عليه الأخفاف، ويكون مثالاً كالذي تحذى عليه النعال، وتفصل عليه القلانس، فلهذا احتمل القالب أن يكون لفظاً مرة ومعنى مرة.
وللشعراء ألفاظ معروفة، وأمثلة مألوفة، لا ينبغي للشاعر أن يعدوها، ولا أن يستعمل غيرها، كما أن الكتاب اصطلحوا على ألفاظ بأعيانها سموها الكتابية لا يتجاوزونها إلى سواها، إلا أن يريد شاعر أن يتظرف باستعمال لفظ أعجمي فيستعمله في الندرة، وعلى سبيل الخطرة، كما فعل الأعشى قديماً، وأبو نواس حديثاً، فلا بأس بذلك، والفلسفة وجر الأخبار باب آخر غير الشعر؛ فإن وقع فيه شيء منهما فبقدر، ولا يجب أن يجعلا نصب العين فيكونا متكئاً واستراحة، وإنما الشعر ما أطرب، وهز النفوس، وحرك الطباع، فهذا هو باب الشعر الذي وضع له، وبنى عليه، لا ما سواه.
ومن ملح الكلام على اللفظ والمعنى ما حكاه أبو منصور عبد الملك بن إسماعيل الثعالبي، قال: البليغ من يحوك الكلام على حسب الأماني، ويخيط الألفاظ على قدود المعاني.
وقال غيره: الألفاظ في الأسماع كالصور في الأبصار.
وقال أبو عبادة البحتري:
وكأنها والسمع معقود بها ... وجه الحبيب بدا لعين محبه