ومما يغلط فيه الناس كثيراً في هذا الباب الجمال والقبح كقول بعض المحدثين.
وجهه غاية الجمال، ولكن ... فعله غاية لكل قبيح
وليس لضده، وإنما ضده الدمامة، والقبح ضده الحسن. وقال الصولي أبو بكر يصف قلماً:
ناحل الجسم ليس يعرف مذكاً ... ن نعيما، وليس يعرف ضراً
وليس بيهما مضادة. وإنما ضد النعيم البؤس، فأما قول أبي الطيب:
فالسلم تكسر من جناحي ماله ... بنواله ما تجبر الهيجاء
فإنه داخل في الطباق المحض؛ لأن المراد بالهيجاء الحرب وهي اسم من أسمائها، فكأنه قال الحرب، فأتى بضد السلم حقيقة.
[باب ما اختلط فيه التجنيس بالمطابقة]
من ذلك أن يقع في الكلام شيء مما يستعمل للضدين: كقولهم جلل بمعنى صغير، وجلل بمعنى عظيم؛ فإن باطنه مطابقة، وإن كان ظاهره تجنيساً، وكذلك الجون الأبيض، والجون الأسود، وما أشبه ذلك وكذلك إن دخل النفي كما قدمت، قال البحتري:
يقيض لي من حيث لا أعلم الهوى ... ويسري إلي الشوق من حيث أعلم
فهذا مجانس في ظاهره، وهو في باطنه مطابق؛ لأن قوله لا أعلم كقوله أجهل، ومثل ذلك قول الآخر:
لعمري لئن طال الفضيل بن ديسم ... مع الظل ما إن رأيه بطويل
كأنه قال: إن رأيه قصير، وقد جاء في القرآن:" هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون " فأما قول الفرزدق: