بالعرق، ثم زاد إيغالاً في صفته بذكر الأثأب، وهو شجر للريح في أضعاف أغصانه حفيف عظيم وشدة صوت، ومثل ذلك قوله:
كأن عيون الطير حول خبائنا ... وأرحلنا الجزع الذي لم يثقب
فقوله " لم يثقب " إيغال في التشبيه، وأتبعه زهير فقال:
كأن فتات العهن في كل منزل ... نزلن به حب الفنا لم يحطم
فأوغل في التشبيه إيغالاً بتشبيهه ما يتناثر من فتات الأرجوان بحب الفنا الذي لم يحطم؛ لأنه أحمر الظاهر أبيض الباطن، فإذا لم يحطم لم يظهر فيه بياض البتة، وكان خالص الحمرة، وتبعهما الأعشى فقال يصف امرأة:
غراء فرعاء مصقول عوارضها ... تمشي الهوينا كما يمشي الوجى الوحل
فأوغل بقوله " الوحل " بعد أن قال " الوجى " وكذلك قوله " الوعل " وكان الرشيد كثير العجب بقول صريع الغواني:
إذا ما علت منا ذؤابة شارب ... تمشت به مشى المقيد في الوحل
ويقول: قاتله الله! ما كفاه أن جعله مقيداً حتى جعله في وحل، وأنا اقول: إنه بيت الأعشى بعينه.
ومن الإيغال قول الطرماح العقيلي يصف فرساً بسعة المنخر:
لا يكتم الربو إلا ريث يخرجه ... من منخر كوجار الثعلب الخرب
فكونه كوجار الثعلب غاية في المبالغة، فكيف إذا كان خرابا؟.
ومن الإيغال الحسن قول الخنساء:
وإن صخراً لتأتم الهداة به ... كأنه علم في رأسه نار
فبالغت في الوصف أشد مبالغة، وأوغلت إيغالاً شديداً بقولها " في رأسه نار " بعد أن جعلته علماً، وهو الجبل العظيم.
وأنشد الجاحظ:
ألوي حيازيمي بهن صبابة ... كما تتلوى الحية المتشرق