فالقافية من الثاء إلى آخر البيت، وهذا بعض كلمة. وتابعه على هذا أبو عمر الجرمي وأصحابه، وهو قول مضبوط، محقق يشهد بالعلم. وقال الأخفش: القافية آخر كلمة من البيت، واستدل على صحة ذلك بأنه لو قال لك إنسان:
اكتب لي قوافي قصيدة لكتبت له كلمات، نحو: كتاب، ولعاب، وركاب، وصحاب، وما أشبه ذلك، وهو المتعارف بين الناس اليوم، أعني قول الأخفش، وكل كلمة من قوله " عل " وقوله " مرجل " وقوله " المثقل " في شعر امرئ القيس قافية بذاتها عند الأخفش، فعلى هذين القولين مدار الحذاق في معرفة القافية.
ورأي الخليل عندي أصوب، وميزانه أرجح؛ لأن الأخفش إن كان إنما فر من جعله القافية بعض الكلمة دون بعضها فقد نجد من القوافي ما يكون فيها حرف الروي وحده القافية على رأيه، فإن وزن معه ما قبله فأقامهما مقام كلمة من الكلمات التي عدها قوافي كان قد شرك في القافية بعض كلمة أخرى مما قبلها، فإذا جاز أن يشترك في القافية كلمتان لم يمتنع أن تكون القافية بعض كلمة، مثال ذلك ما شاكل قول أبي الطيب:
طوى الجزيرة حتى جاءني خبر ... فزعت فيه بآمالي إلى الكذب
حتى إذا لم يدع لي صدقه أملاً ... شرقت بالدمع حتى كاد يشرق بي
فالقافية في البيت الأول على قوله " الكذب " لولا أن الألف فيه ألف وصل نابت عنها لام " إلى " فإن قال: إن القافية في البيت الثاني " يشرق بي " رجع ضرورة إلى مذهب الخليل وأصحابه؛ لأن القافية عند في هذا البيت من الياء التي للوصل وهي ههنا ضمير المتكلم إلى شين " يشرق " مع حركة الياء