والمتأخر من الشعراء في الزمان لا يضره تأخره إذا أجاد، كما لا ينفع المتقدم تقدمه إذا قصر، وإن كان له فضل السبق فعليه درك التقصير، كما أن للمتأخر فضل الإجادة أو الزيادة، ولا يكون الشاعر حاذقاً مجوداً حتى يتفقد شعره، ويعيد فيه نظره، فيسقط رديه، ويثبت جيده، ويكون سمحاً بالركيك منه، مطرحاً له، راغباً عنه؛ فإن بيتاً جيداً يقاوم ألفي رديء.
وقال امرؤ القيس وهو أول من زعموا أنه أختبر له وعلم به أنه يكون أفضل الشعراء والمقدم عليهم:
أذود القوافي عني ذياداً ... ذياد غلام جريء جرادا
فلما كثرن وعنينه ... تخير منهن شتى جيادا
فأعزل مرجانها جانباً ... وآخذ من درها المستجادا
هكذا في أكثر النسخ، وفي بعضها " حراد " بالحاء مكسورة غير معجمة، و " شتى جيادا " بالشين معجمة مفتوحة غير منونة التاء.
فإذا كان أشعر الشعراء يصنع هذا ويحكيه عن نفسه، فكيف ينبغي لغيره أن يصنع؟ وزعم ابن الكلبي أنه امرؤ القيس بن بكر بن امرئ القيس بن الحارث بن معاوية الكندي، وروي " سفي " في موضع " جريء " والسفي: السفيه والخفيف أيضاً، وإليه يرجع اشتقاقه، وزعم غير ابن الكلبي أن الأبيات لامرئ القيس بن عابس الكندي.
ويقال: إن أبا نواس كان يفعل هذا الفعل؛ فينفي الدني ويبقي الجيد.