للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عيب في الصنعة شديد، ونقص بين؛ لأنه أعني الشاعر يصير محصوراً على شيء واحد بعينه، مضيقاً عليه، وداخلاً تحت حكم القافية.

وكانوا يقولون: ليكن الشعر تحت حكمك، ولا تكن تحت حكمه.

ومنهم من إذا أخذ في صنعة الشعر كتب من القوافي ما يصلح لذلك الوزن الذي هو فيه، ثم أخذ مستعملها، وشريفها، ومساعد معانيه، وما وافقها، وأطرح ما سوى ذلك، إلا أنه لا بد أن يجمعها ليكرر فيها نظره، ويعيد عليها تخيره في حين العمل، هذا الذي عليه حذاق القوم.

ومن الشعراء من إذا جاءه البيت عفواً أثبته، ثم رجع إليه فنقحه، وصفاه من كدره، وذلك أسرع له، وأخف عليه، وأصح لنظره، وأرخى لباله..

وآخر لا يثبت البيت إلا بعد إحكامه في نفسه، وتثقيفه من جميع جهاته، وذلك أشرف للهمة، وأدل على القدرة، وأظهر للكلفة، وأبعد من السرقة.

وسألت شيخاً من شيوخ هذه الصناعة فقلت: ما يعين على الشعر؟ قال: زهرة البستان، وراحة الحمام.

وقيل: إن الطعام الطيب، والشراب الطيب، وسماع الغناء، ما يرق الطبع، ويصفي المزاج، ويعين على الشعر.

ولما أرادت قريش معارضة القرآن عكف فصحاؤهم الذين تعاطوا ذلك على لباب البر وسلاف الخمر ولحوم الضأن والخلوة إلى أن بلغوا مجهودهم. فلما سمعوا قول الله عز وجل " وقيل يا أرض ابلعي ماءك، ويا سماء أقلعي، وغيض الماء، وقضي الأمر، واستوت على الجودي، وقيل بعداً للقوم الظالمين " يئسوا مما طمعوا فيه، وعلموا أنه ليس بكلام مخلوق.

وقيل: مقود الشعر الغناء به، وذكر عن أبي الطيب أن متشرفاً تشرف عليه وهو يصنع قصيدته التي أولها:

<<  <  ج: ص:  >  >>