لشأنك، بصيراً بما عليك ولك؛ عابك من أنت أقل منه عيباً، ورأى من هو دونك أنه فوقك. فإن أنت ابتليت بأن تتكلف القول وتتعاطى الصنعة، ولم تسمح لك الطباع؛ فلا تعجل، ولا تضجر، ودعه بياض يومك أو سواد ليلك، وعاوده عند نشاطك وفراغ بالك؛ فإنك لا تعدم الإجابة والمواتاة إن كانت هناك طبيعة، أو جريت في الصناعة على عرق، فإن تمنع عليك بعد ذلك من غير حادث شغل، ومن غير طول إهمال؛ فالمنزلة الثالثة أن تتحول عن هذه الصناعة إلى أشهى الصناعات إليك، وأخفها عليك؛ فإنك لم تشتهه ولم تنازع إليه إلا وبينكما نسب، والشيء لا يحن إلا إلى ما شاكله، وإن كانت المشاكلة قد تكون في صفات، وإلا أن النفوس لا تجود بمكنونها مع الرغبة، ولا تسمح بمخزونها مع الرهبة، كما تجود به مع الشهوة والمحبة.
وقال بعض أهل الأدب: حسب الشاعر عوناً على صناعته أن يجمع خاطره، بعد أن يخلي قلبه من فضول الأشغال، ويدع الامتلاء من الطعام والشراب، ثم يأخذ فيما يريده. وأفضل ما استعان به الشاعر فضل غنى أو فرط طمع. والفقر آفة الشعر، وإنما ذلك لأن الشاعر إذا صنع القصيدة وهو في غنى وسعة نقحها وأنعم النظر فيها على مهل، فإذا كان مع ذلك طمع قوي انبعاثها من ينبوعها، وجاءت الرغبة بها في نهايتها محكمة، وإذا كان فقيراً مضطراً رضي بعفو كلامه، وأخذ ما أمكنه من نتيجة خاطره، ولم يتسع في بلوغ مراده ولا بلوغ مجهود نيته؛ لما يحفزه من الحاجة والضرورة، فجاء دون عادته في سائر أشعاره