للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا هو مما يدخل عليه عيباً، ولا يلزمه ذنباً على الحقيقة، إلا أن الحوطة والتحفظ من خجلة البادرة أفضل وأهيب، والتفريط أرذل وأخذل.

ودخل جرير على عبد الملك بن مروان فابتدأ ينشده: أتصحو أم فؤادك غير صاحٍ فقال له عبد الملك: " بل فؤادك يا بن الفاعلة " كأنه استثقل هذه المواجهة وإلا فقد علم أن الشاعر إنما خاطب نفسه.

ومن هذه الجهة بعينها عابوا على أبي الطيب قوله لكافور أول لقائه مبتدئاً، وإن كان إنما يخاطب نفسه لا كافوراً:

كفى بك داءً أن ترى الموت شافياً ... وحسب المنايا أن يكن أمانيا

فالعيب من باب التأدب للملوك، وحسن السياسة لازم لأبي الطيب في هذا الابتداء، لا سيما وهذا النوع أعني جودة الابتداء من أجل محاسن أبي الطيب، وأشرف مآثر شعره إذا ذكر الشعر.

ودخل ذو الرمة على عبد الملك بن مروان، فاستنشده شيئاً من شعره، فأنشده قصيدته: ما بال عينك منها الماء ينسكب وكانت بعين عبد الملك ريشة وهي تدمع أبداً، فتوهم أنه خاطبه أو عرض به، فقال: وما سؤالك عن هذا يا جاهل؟!! فمقته وأمر بإخراجه.

وكذلك فعل ابنه هشام بأبي النجم وقد أنشده في أرجوزة:

والشمس قد كادت ولما تفعل ... كأنها في الأفق عين الأحول

وكان هشام أحول، فأمر به فحجب عنه مدة، وقد كان قبل ذلك من خاصته: يسمر عنده، ويمازحه.

وإنما يؤتى الشاعر في هذه الأشياء؛ إما من غفلة في الطبع وغلظ، أو من

<<  <  ج: ص:  >  >>