للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن هذه الجهة أكثر الناس من الدعاء لهم بطول العمر، حتى بلغوا بهم ما لا يمكن، فقالوا: عش أبداً، واسلم مدى الدهر، وابق بقاء الزمان، ودم مدة الأيام.

واعترض النقاد في ذلك واختلفوا بحسب ما ينتحل كل واحد منهم في قول أبي نواس للأمين:

يا أمين الله عش أبدأ ... دم على الأيام والزمن

أنت تبقى والفناء لنا ... فإذا أفنيتنا فكن

وفي كثير من مثله. وإذا خرج الكلام عن حد الإمكان فإنما يراد به بلوغ الغاية لا غير ذلك. ومن قبيح ما وقع لأبي نواس الذي أساء فيه أدبه، وخالف فيه مذهبه؛ أن بعض بني برمك بنى داراً استفرغ فيها مجهوده، وانتقل اليها، فصنع أبو نواس في ذلك الحين أو قريباً منه قصيدة يمدحه بها يقول أولها:

أربع البلى، إن الخشوع لباد ... عليك، وإني لم أخنك ودادي

وختمها أو كاد بقوله:

سلام على الدنيا إذا ما فقدتم ... بني برمك من رائحين وغادي

فتطير منها البرمكي، واشمأز حتى كلح وظهرت الوجمة عليه، ثم قال: نعيت إلينا أنفسنا يا أبا نواس، فما كانت إلا مديدة حتى أوقع بهم الرشيد وصحت الطيرة.. وزعم قوم أن أبا نواس قصد التشاؤم لهم لشيء كان في نفسه من جعفر، ولا أظن ذلك صحيحاً؛ لأن القصيدة من جيد شعره الذي لا أشك أنه يحتفل له، اللهم إلا أن يصنع ذلك حيلة منه، وستراً على ما قصد إليه بذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>